الاثنين، 4 يناير 2010

سلامة إجراءات تطبيق القانون من أسس العدالة

اسمحوا لي أن أنتقي هذا المقال للكاتب فيصل الزامل "الأنباء"، والذي قد أختلف - وتختلفون - مع توقيته وانطباقه، ولكنني لا أملك إلاّ الإشادة بتوعيته لنا، بأن "الغاية لا تبرر الوسيلة" أبدًا، وأن كل إنسان - مذنب أو بريء - يجب مراعاة حقوقه ... قراءة ممتعة ونافعة أرجوها لكم:
______________________

الأنباء ومباشر: الحرص على سلامة الإجراءات أثناء تقديم المتهم إلى المحاكمة أمر أساسي، سنتوقف هنا مع حادثة تاريخية ذات دلالة مباشرة، وذلك عندما اغتال أبو لؤلؤة المجوسي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخنجر له رأسان، نصله في وسطه، وجرح عددا من الصحابة في المسجد قبل أن يتمكنوا من قتله ثم تمت مبايعة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

الكاتب والاقتصادي/ فيصل الزامل

ولكن قبيل تلك المبايعة رأى عبيد الله بن عمر الناس يستمعون الى شاهد في تلك الجريمة كان يقول «رأيت الهرمزان خاليا بأبي لؤلؤة يحادثه، فلما اقتربت منهما قاما مسرعين، فسقط منهما خنجر له رأسان ونصله في وسطه» تطابق وصف الشاهد مع أداة القتل، فلما سمع ذلك عبيدالله بن عمر أخذ سيفه وذهب إلى دار الهرمزان وطرق الباب فلما فتحت ابنة الهرمزان قتلها، وخرج الهرمزان من غرفة بالبيت فقتله فلما ولي عثمان الخلافة أمر بحبسه، وأصدر قرارا بإقامة حد القتل على عبيد الله، فعظم الأمر على المسلمين وقالوا «بالأمس قُتل عمر، واليوم نحن نقتل ابنه» أصرّ عثمان على تطبيق القانون، وحاول الناس ثنيه عن قراره قائلين «يا أمير المؤمنين، لقد وقع هذا الأمر قبل أن تلي الخلافة فأعرض عنه» فأبى قائلا «ردوا بيعتكم، لا أبدأ هذا الأمر بظلم» ثم قال «ليس لكم والله عندي إلا إقامة الحد أو أن يقبل ولي الدم بالدية».

فذهب جمع منهم الى بيت أخ للهرمزان وعرضوا عليه دفع الدية مضاعفة، ومعجلة، أي فورا.
قال لهم «فإن أنا أبيت؟».
قالوا «أنت وشأنك».
قال «أو تتعرضون إلي – بالشر - بعدها؟».
قالوا «لا والله».
فقال «إذن قبلت الدية».

عندها ذهبوا به إلى الخليفة، فقال شقيق الهرمزان لعثمان «قد عرض علي هؤلاء الدية مضاعفة ومعجلة، وقد قبلتها»
فقال له عثمان «لعلهم هددوك أو أرعبوك؟».
فقال «لا».
فقال عثمان «أما وقد قبلت، فإني أدفع الدية التي وعدوك بها من مالي الآن».


هذه الحادثة تحمل ثلاثة معانٍ مهمة:

1 - الإصرار على تطبيق القانون - رغم الشحن النفسي – كونه يمثل الأساس لشرعية الحكم وهيبته.
2 – عدم قبول اختطاف أي كان لاختصاصات الدولة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
3 – عندما رفض عثمان ترك الخلافة حسب طلب الثائرين عليه من أهل الفتنة كان يمتثل للهدي النبوي الكريم «يا عثمان إذا قمصك الله هذا الأمر وأرادك المنافقون أن تنزعه، فلا تنزع قميصا قمصك الله إياه» فهو لم يكن متشبثا بالمنصب، بدليل إصراره على تطبيق الحد على عبيد الله وإن استدعى ذلك تركه للمنصب رغم تسويغ البعض له التغاضي عنه، بينما كان إصراره على عدم التنازل عن الخلافة نزولا عند طلب المنافقين يكلفه حياته، التزاماً بالهدي النبوي الكريم.

نعم، لقد رأينا حادثة في الكويت جرى فيها تعسف في تطبيق الإجراءات مع المتهم تحت تأثير الظرف الذي أحاط بتلك الحادثة وهي بادرة غير موفقة لا يجوز أن تتكرر، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وحفظ حق التقاضي من أهم ركائز العدل، الذي قامت به السموات والأرض.

كلمة أخيرة: قال عثمان رضي الله عنه لمن أشهر سيفه للدفاع عنه، وفي مقدمتهم الحسن والحسين رضي الله عنهما «من كانت لي في عنقه بيعه فليغمد سيفه، لا أكون أول من يضرب دماء المسلمين بعضهم ببعض».. وأقبل على مصحفه يقرأه حتى طعنه المنافقون وسال دمه الشريف على سورة الكهف وهو صائم، وكان قد رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له «تفطر عندنا غدا يا عثمان».

ليست هناك تعليقات: