الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

حكم الدستورية بحجاب النائبتين


أتى حكم المحكمة الدستورية ليكون الخاتمة للصراع الفكري بين الاسلاميين من جهة واللبراليين والعلمانيين من جهة أخرى والذي شهدته الساحة الكويتية مؤخرا بشأن حجاب النائبات.

لا أُخفي عليكم أن توقعاتي كانت أقرب الى أن المحكمة الدستورية لن تتصدى للموضوع وانما ستبحث الموضوع من الناحية الشكلية مثل اثارة عيب عدم الاختصاص، وهي توقعات لم تكن في محلها بل أنها تصدت لكل الدفوع التي أثيرت وبالطبع عقدت الاختصاص لها.

بداية ولكي نؤصل للقارئ ليس هناك كلمة «الضوابط الشرعية» التي دندن الكل حولها بالنص القانوني الخاص بالمادة الأولى بقانون الانتخاب والمطعون بها، وانما النص يقول«...ويشترط للمرأة في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والاحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية؟

وبشرح موجز فان الحكم أورد بحيثياته انه اطلع على مضبطة الجلسة التي أقر بها النص ولم يجد تفسيراً واضحاً للتعديل التشريعي يستطيع أن يستهدي به محاولة لفهم النص، ولاستخلاص ارادة المشرع كما انه ليس له بالمذكرة الايضاحية المرافقة عادة للقوانين ما يوضحه، مما جعل القضاة يحملونه على المعنى الذي يجعله أكثر اتساقاً مع التشريع الدستوري حتى لا يحدث التعارض خاصة وانه لا يجوز التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات بسبب الدين أو الجنس.

وأشار الحكم أيضا الى أن النصوص الشرعية تحتاج الى تدخل من المشرع ليقننها لتصبح نافذة وفق مضمون تشريعي محدد يلتزم به كل المخاطبين ويمكن تنفيذه واعتبرت النص السابق نصا توجيهيا وليس الزامياً باعتبار عدم وجود حكم موضوعي محدد، وختمت المحكمة أن النص دستوري ولا شبهة عدم دستورية ظاهرة به، والمحكمة هنا صاحبة الاختصاص الأصيل بدستورية القوانين من عدمها.

وانعى على هذا الحكم أربعة أمور:
الأول القول أن القواعد والاحكام المجملة كما هو الحال مع هذا النص قد تؤدي الى اضطراب وتناقض بين القواعد والاحكام بحسب اختلاف وجهات النظر الفقهية، وهذا الأمر مردود عليه أنه ليس هناك اختلاف في وجهات النظر الفقهية بل هو من الأمور المجمع عليها، وهو واضح بمسألة مراعاة الاحكام المقررة في الشريعة الاسلامية بالنسبة للمرأة ولا محل للآراء الشاذة اذ أن الاجماع هو الحكم.

والنعي الثاني بكون الفقرة الأخيرة ذات مدلول عام - وذلك أمر سليم - الا انه قيد بشرط واضح وهو وروده وتوجيهه للمرأة تحديدا فكان حريا التوجه الى النصوص التي تخص المرأة دون غيرها فليس من المنطق أن تكون الاحكام الخاصة بالطلاق أو الحيض هي المعنية بسياق قانون الانتخاب، فالاحكام المعتمدة المستمدة من الشريعة الاسلامية واضحة وضوح الشمس بشأن المرأة ولا تحتاج إلى تفسير فقهي اجتهادي مادام الأمر بالأدلة القاطعة غير الظنية.

والنعي الثالث مكمنه عدم التفات المحكمة الدستورية للمذكرة التفسيرية للدستور والتي أوردت ما يلي بشأن المادة الثانية من الدستور لم تقف هذه المادة عند حد النص على أن «دين الدولة الاسلام» بل نصت كذلك على أن الشريعة الاسلامية - بمعنى الفقه الاسلامي - مصدر رئيسي للتشريع، وفي وضع النص بهذه الصيغة توجيه للمشرع وجهة اسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الاسلامي حكما لها، أو يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تماشيا مع ضرورات التطور الطبيعي على مر الزمن، بل ان في النص ما يسمح مثلا بالأخذ بالقوانين الجزائية الحديثة مع وجود الحدود في الشريعة الاسلامية، ... كما يلاحظ بهذا الخصوص من النص الوارد بالدستور - وقد قرر أن «الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع» انما يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الاسلامية ما وسعه ذلك، ويدعوه الى هذا النهج دعوة صريحة واضحة، ومن ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ، عاجلا أو آجلا، بالأحكام الشرعية كاملة وفي كل الأمور اذا رأى المشرع ذلك.

الأمر الذي يعني عدم الالتفات الى توجيهات واضحة أوردتها المذكرة التفسيرية الملزمة للدستور.

والنعي الرابع هو التزيد بشأن المصادر التشريعية وحرية الاعتقاد وهو الأمر الذي لم يكن مطلوباً التصدي له خاصة وان طلبات الخصوم لم تتعلق بمسائل الاعتقاد القلبي وانما لمسائل الجوارح التي اشترطها النص مما يعد تزيدا مخلا.

وكنت قد كتبت قبل أربع سنوات مقالاً قلت فيه «أن ربط التغير الذي تم على المادة الأولى من قانون الانتخابات رقم 62/35 بمسألة الضوابط الشرعية أمر يستحق تسليط الضوء عليه خاصة انه لم يحل في تطبيقه الى لائحة تضعها جهة كوزارة الداخلية أو الأوقاف أو العدل، الأمر الذي يؤكد أن البعد السياسي هو السبب الفعلي لطرح هذا الشرط عند تعديل المادة». مما يعني توقعي انه فيما لو فحص الأمر فحصا قانونيا لأجمع الناظرون على عمومية النص وقصوره التشريعي بسبب البعد السياسي الذي أوجده.

وللأسف لقد أساء البعض معلقا على هذا الحكم- وهم مختصون - حيث تم بتر بعض العبارات واستخدام عبارات من الحكم لضرب الشريعة الاسلامية وهو الأمر الذي نرفضه فالحكم يجب أن يأخذ في سياقه بالكامل حتى لا يعطي ايحاءات للقارئ لم يكن يقصدها القضاة مصدرو الحكم.
والبعض الآخر أدخلنا بمسألة الدولة الدينية والمدنية وهو ما لم يتعرض له لا حيثيات ولا منطوق الحكم مما يعد حملا للأمر بغير محله.

تبقى مسألة أخيرة أوجهها للنائبات الفاضلات أن الحكم أورد النص الوارد بالمادة الأولى باعتباره أمرا توجيهيا فحري بمن يمثل الأمة الالتزام بالنصوص التوجيهية والاحكام القضائية وقبل ذلك كله حكم الله من سابع سماء.

احترام الحكم الدستوري والاكتفاء بما ورد أمر مطلوب ولكن مناقشته بأسلوب علمي أمر مباح ويبقى حكم الله فوق كل شيء، وسيبقى صراع الاسلاميين مع العلمانيين والليبراليين في المسائل التي تدخل في أجندتهم المحافظة (جريدة الوطن).

هناك تعليقان (2):

moonq8 يقول...

مقال رائع من الأخت إسراء ذو نظره شرعيه ودستوريه واعيه جزاها الله ألف خيرويبقى هذا الأساس الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع ...

العدالة الكويتية يقول...

فعلاً مقال مميز
والساحة القانونية تفتقد للكتابات
التي بغض النظر عن رأينا بمضمونها
إلاّ أنها تناقش الأمور باحتراف ومهنية

شكرًا للمرور
ووفق الله المصلحين والمصلحات