الأربعاء، 4 مارس 2009

دولة القانون

مقال مميزة نشرته الشرق الأوسط الدولية:

خالد القشطيني

(( العراق سبّاق بكثير من «الأوائل»، ولكنني أعتبر أهمها أنه كان أول من أقام صرح القانون في تلك الشريعة الشهيرة المعروفة بـ«قانون حمورابي». في بابل، وضعت الشريعة البابلية، ومنها تعلم اليهود فصاغوا الشريعة الموسوية. وفي بغداد، وضع الفقهاء سنن الشريعة الإسلامية، وبها تحولت بغداد إلى مدرسة لكل طلبة علوم الشريعة من سائر العالم الإسلامي. وبعد ذبول بغداد، انتقل المركز إلى النجف.


كمحام سابق وابن عائلة اشتهرت بالقضاء، عرفت تماما كيف أن السلك القضائي كان أنظف فرع من الخدمة المدنية في العراق. لم أسمع طوال حياتي هناك بقاض يرتشي أو يتأثر بوساطة. وكانت محكمة التمييز تمثل خير تمثيل التلاحم اللاطائفي في العراق. رئيسها يهودي (داود سمرة)، وعضوها الأول مسيحي (أنطوان شماس)، وعضوها الثاني مسلم (عبد اللطيف الشواف). لكن هذا التاريخ القانوني للعراق تقوض على يد ذلك المعتوه صدام حسين، الذي نطق بتلك الكلمة الشهيرة: «هو شنو القانون؟ هو شي نكتبه بليلة»، وطبّق ما قال وقضى على كل ما بقي من الاحترام لصرح القضاء والقانون.

القانون هو العنصر الأساسي الذي يميز المدنية من الهمجية. وهو الأساس الذي لا تقوم الديمقراطية ولا تحقق البلاد أي تنمية ولا يذوق الشعب أي سلام وطمأنينة بدونه. وكان السر وراء كل الحضارات التي قامت في بلاد الرافدين.

مزق صدام كل هذا التاريخ، وبفعله هذا فتح الأبواب لكل تلك الموجة من الفوضى والإرهاب والخطف والفساد وسفك الدماء التي تلت حكمه. كدنا جميعا نفقد كل الأمل في نهوض البلاد من هذه السورة. وراح الكثيرون يترحمون على عهد صدام، ويكيلون الشتائم لنا، نحن الذين دعونا إلى إسقاطه ولو بحراب الأجنبي، ويحملوننا مسؤولية ما جرى.

ما الذي تمخض عن الانتخابات الأخيرة؟ عناني منها شيء واحد، وهو الشعار الذي تبناه نوري المالكي لحزبه «ائتلاف دولة القانون». بهذه الكلمات الثلاث وضع المرهم على الجرح. ولا شك أن جل ما سعى إليه خلال ترؤّسه الحكومة هو دعم سيادة القانون وإحلال السلام والأمن في إطار القانون. ما زال الطريق أمامه طويلا، ولكنه أمسك - كما يقال - برأس الشليلة. أضاف إلى هذه اللفتة لفتة أخرى، وهي حذف كلمة «الإسلامي» من حزبه. فليكن حزبا لكل العراقيين بكل طوائفهم وقومياتهم. ولم يتجسم نضوج الشعب العراقي كما تجسم في إعطاء أصواته له والتفافه حوله. لقد بدد المالكي كل الظنون والأفكار المتشائمة بشأن مستقبل العراق.

تمر كل الثورات والانقلابات وسقوط الأنظمة بمرحلة من الفوضى والمعاناة وسفك الدماء. الشعب الفرنسي عانى ربع قرن من العذاب بعد الثورة الفرنسية حتى استقرت أحواله. خمسة أعوام من العذاب ليست أكثر من خمس دقائق بالنسبة إلى تاريخ العراق الطويل، والثلاثين سنة من حكم صدام.

شكرا لك يا نوري المالكي. لقد أعدت إلينا إيماننا بالعراق والعراقيين، وأثبت للعذال أننا كنا على حق في دعوتنا إلى إسقاط نظام صدام. فلا مستقبل لبلد يديره مجنون طائش. )).

هناك 7 تعليقات:

esTeKaNa يقول...

مقال رائع
اخذنا منذ بداية القانون الى تطوراته في سلسله منطقية لما يجب ان يكون عليه القانون في دولة قانون
صدام حسين اسقط شعيه عندما اسقط كل القوانين من اعتباره
وهم في سبيل النهضه بعد هذه النكسة يحتاجون زمن طويل


مقال مميز كالعاده
يعطيك الف عافية اخي العزيز
وبما انك اخي عندي كم سؤال للافاده حول موضوع معين اذا ممكن ومافي اي كلافة عليك
:)

TruTh يقول...

يعطيك الف عافية اخوي العدالة على نقل هالمقالة الرائعة

فرحت وايد لأن المقالة واضح فيها ان العراقيين قاعدين يخطون خطوات نحو الوحدة و السلام و هذي راح تكون الانطلاقة الى مستقبل مشرق بإذن الله

و تحياتي لك
:)

العدالة الكويتية يقول...

# شكرًا أختنا "استكانة" على المرور والإشادة، بالفعل المقال متسلسل وجميل، وهذا الكاتب يتميز بالثقافة العالية، وتنعكس بمحتويات مقاله.

حاضر للمحاولة للإجابة على أي سؤال هنا أو عبر البريد، وبالتوفيق.

# شكرًا أختنا "تروث" على المرور والإشادة، بالفعل المقال يسر القارئ :) كأي لوحة نطالعها، لما فيه من تناسق واستبشار، وكما تفضلتِ فإننا نتمنى للعراقيين الوحدة والسلام.

Q8EL5AIR يقول...

" العراق ارض فتنة وشقاق " ..


مع انها دولة القانون الا انها معروفة بحكامها الظلمة على وجه التاريخ .. وكذلك اغلب شعبها .. والتاريخ يشهد على مر العصور ..



وتحياتي ..
ويسلموااااااااااااااااا :)

@alhaidar يقول...

أنعم الله على أشقاءنا في العراق بنعمة الأمن والأمان .. وسيادة العدل والقانون ..

العدالة الكويتية يقول...

# أهلاً "كويت الخير":

بالفعل وضعها متأزم تاريخيًا
وموقعها الاستراتيجي له تأثير
وكونها منذ القدم خليط أقوام

نسأل الله لهم العافية
لكل إنسان الحق بالعدالة

العدالة الكويتية يقول...

# أهلاً "أحمد الحيدر":

آمين، وجميع ديار العالمين، بالحق والعدل والدين؛ شكرًا لمرورك.